يختص علم الوراثة بدراسة الجينات وكيفية عملها، في حين يُعد علم التَّخَلُّق مجالاً علمياً جديداً يبحث في كيفية إسهام البيئة في إحداث تأثير فعلي في طريقة التعبير عن الجينات. ويقتضي ذلك ضمناً دحض المُعتقد السائد الذي مفاده أن الجينات ثابتة لا تتغير. ورغم أن التوارث التَّخَلُّقي يعد مصطلحاً غير تقليدي إلى حد ما، إلا أنه يفسر كيفية انتقال الأنماط الوراثية من جيل إلى آخر عن طريق العلامات الجينية.
أثناء مرحلة النمو، تُضاف علامات كيميائية إلى الحمض النووي الذي تتكون منه جيناتنا، وتتحكم هذه العلامات في نطاق التعبير عن الجينات، وتُعرف مجموعة العلامات الجينية هذه باسم الجينوم التَّخَلُّقي. فحين يمر الأطفال بتجارب مختلفة، يُعاد ترتيب العلامات الكيميائية. وهذا ما يفسر سبب الاختلافات التي تظهر على التوائم المتماثلة وراثياً من حيث السلوكيات والمهارات والصحة والإنجازات. ولم تعد فكرة إرجاع الاختلافات إلى الطبيعة تتعارض مع أثر التنشئة، بل يكاد يكون لكلتيهما دائماً دورٌ في إحداث هذه الاختلافات. يمكن أن تؤدي التجارب الجيدة والسيئة - على حد سواء - إلى تغيير الجينوم التَّخَلُّقي؛ مما يترك بصمة تَّخَلُّقية مميزة على الجينات. ومن هذه التجارب الجيدة، العلاقات الداعمة وفرص التعلُّم.
يمكن أن تؤثر العوامل البيئية على الجينوم التَّخَلُّقي؛ مما قد يؤدي إلى حدوث أخطاء تَّخَلُّقية، ويُعتقد أن هذه الأخطاء هي السبب الجذري وراء العديد من الأمراض، بما في ذلك السرطان والاضطرابات الأيضية. ونظراً لأن الجينات لا يمكن تغييرها، فربما يكون الجينوم التَّخَلُّقي هو المسؤول عن عدد من الأمراض الوراثية المزمنة. يهتم الباحثون - بصفة خاصة - بالكيفية التي تؤثر بها التغيُّرات وتتابع الأحداث الوراثية في علم التَّخَلُّق على وظيفة الجينات، وكيفية تكوين البروتينات، ومستوى صحة الفرد بوجه عام.
فالخدمات التي تشمل دعم الآباء والأمهات ومقدمي الرعاية حديثي العهد، والرعاية الصحية عالية الجودة المقدمة للنساء الحوامل والرضع والأطفال، والرعاية عالية الجودة في مرحلة ما قبل الولادة وبعدها يمكن أن تؤدي إلى تغير كيمياء جينات الأطفال. وتعمل الروابط الشخصية الوثيقة وفرص التعلُّم المتعددة على توليد بصمات تَّخَلُّقية مواتية تقوم بتنشيط الإمكانات المحتملة للجينات.
يعتقد الكثيرون أننا ضحايا أمام جيناتنا وأننا عاجزون عن التحكم في حالتنا النفسية أو سلوكنا؛ نظراً لوجود الكثير من الأدلة التي تبرهن على أن جيناتنا تؤثر على شخصيتنا وسماتنا. ولكن الحتمية الجينية تتيح لنا طريقة لتغيير هويتنا وتجاوز ميولنا الفطرية. ليس هناك دليل قوي على أن الأحداث الصادمة تغير التَّخَلُّق بشكل يغير سلوك أو سمات أبناء الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات. ورغم ذلك، فلا يوجد دليل على أن سلوكنا تحدده جيناتنا قبل أن نولد. لا يمكن إنكار أننا نولد ولدينا ميل مُسبق نحو بعض الأمور، إلا أن هذه الخصائص لا تعمل إلا كأساس لسلوكنا فحسب.
نحن مُبرمَجون على التعلُّم من التجارب، وهو الأسلوب الذي نتكيَّف به مع الظروف الخاصة لحياتنا، والكيفية التي تتكون بها أنماط سلوكنا. ولكن نظراً لكوننا لا نزال نستطيع التحكم في أفعالنا، تكون لدينا القدرة على إعادة هيكلة عاداتنا وإعادة تدريب أنفسنا من خلال تبنِّي عادات جديدة تناقض ميولنا الفطرية. ويعد ذلك ممكناً من خلال اللدونة العصبية، وهي قدرة الدماغ على تكوين الوصلات المشبكية وإعادة تنظيمها. فنحن يمكننا أن نتجاوز ميولنا التلقائية إلى درجة معينة. ويستدعي ذلك وجود وعي ذاتي وانضباط لدى الفرد، إضافة إلى بذله جهداً واضحاً.
يمثل نمط حياتك في الواقع خط اتصال مباشر بينك وبين أسلوب عمل الجينات داخل جسمك، وقد يكون للتغيرات السلوكية الطفيفة تأثير فوري بالغ على العمليات الداخلية في جسمك. إذا كنت تتناول أطعمة متكاملة ومُغذية بانتظام، فستستجيب جيناتك بالشكل الملائم؛ لأن اتباعك نظاماً غذائياً صحياً يؤدي إلى تنشيط جينات مهمة تفيد جسمك وعقلك.
إن البحث عن أساليب للتخلص من التوتر، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام لهما أثرٌ مباشر على صحة جيناتك، وأيضاً، يساعد ممارسة التأمل في التخلص من التوتر وتحسين الصحة النفسية. فمن الممكن أن تتأثر جيناتك النشطة وعقلك وجسمك وحتى حالتك المزاجية بالتعرض لأشعة الشمس في الصباح بانتظام، ونظافة المساحة التي تعيش فيها، ووجودك في بيئة جيدة بشكل عام. وستستجيب خلاياك لهذه التغيرات الإيجابية، لدرجةٍ تصبح فيها قادراً على ملاحظة آثارها بمرور الوقت مع التعرض المستمر لهذه الظروف.
عندما تأخذ صحتك وصحة عائلتك في الاعتبار ، فمن المفيد جدولة استشارات الطبيب المنتظمة عبر الإنترنت أو في المنزل على تطبيق Housecall. يمكن للأطباء إعطائك أفضل النصائح الصحية وإجراء الإحالات إلى المتخصصين عند الحاجة. يمكن أن تساعدك الاستشارات أنت وعائلتك في وضع خطة علاج لمعظم المخاوف الصحية والأسئلة المتعلقة برفاهية عائلتك.